Wednesday, August 09, 2006

البحث عن الحياة الذكية معتقدات ام وقائع؟

كتابة: ديفيد دارلنغ
عن موقع: space.com
ترجمة: علاء غزالة

هل البحث عن الحياة الذكية خارج الارض هو دين بحد ذاته؟ هناك ادعاء طرحه جورج باساللا (استاذ التاريخ في جامعة ديلاوير) في كتابه الموسوم (الحياة المتمدنة في الكون) والذي يقول ان البحث عن الحياة الذكية انما هو مشروع يقوم على الاعتقاد اكثر من كونه علماً اصيلاً. وقد اشار الى فشل محاولات الباحثين في "الاتصال" لما يزيد على اربعين عاما من الجهود المستمرة، وغياب اي دليل ايجابي، مستدلا على انها تعتمد على نوع من الحماسة الدينية اكثر من اي شيء آخر.
قبل كل شيء نحن نعلم ان هناك ذكاء في الكون. هناك الدلافين والقرود العظيمة. ويمكن ان تضع الهومو سابينز Homo sapiens في ذلك الخليط من المصادفات النادرة، اذ بقينا لحين اعلان جنسنا عن اسمه. ليس من غير المنطقي الافتراض بانه اذا كان الذكاء قد حلّ في كوكب واحد، فمن المحتمل ان يكون قد ظهر في مكان آخر، خصوصا اذا ما اخذ بنظر الاعتبار العدد الهائل من النجوم في هذه المجرة والمجرات الاخرى. يعمل البحث عن الحياة الذكية كأختبار لهذه الفرضيات. ولكن فيما وراء ذلك يكمن احد انبل واكثر الاسئلة العلمية اثارة: اكتشاف فيما اذا كنا لوحدنا ونمثل قيمة عالية في الذكاء والتقنية في الكون، او عوضا عن ذلك، اننا ببساطة عنصر واحد في مجتمع الاعراق الذكية، والتي ربما يكون العديد منها اقدم واكثر تطورا منا بكثير.
تتميز الاديان بعاملين رئيسين: اولهما العبادة –بعبارة اخرى نوع من نظام تكريس موجه نحو كائن اسمى (او اكثر) فوق الطبيعي– وثانيهما الايمان بغياب الدليل المادي. وعلى هذا فان (البحث عن الحياة الذكية) غير مؤهل لان يكون دِينا لافتقاره كلا العاملين. ما لم اكن مخطئأ بشكل كبير، ليس من بين الباحثين عن الحياة الذكية من يقدم صلواته الى موضوع سؤاله (او سؤالها)، رغم انه من المذهل معرفة العادات الروحية التي ربما تكون قد نمت في حضارات النجوم الاخرى. اما الايمان الذي يعتور الباحثين عن الحياة الذكية فهو نوع من "الايمان" غير الديني الذي ينصاع له كل عالم: الايمان بالطرق العلمية، الادوات المستخدمة، عملية المراجعة من قبل جميع القرناء المهمين، وهكذا. وكما ذكرت فاننا نمتلك فعلا ادلة مادية على وجود الحياة الذكية في الكون: انها تتألف من العقول التي تستخدمونها انتم الان لاستيعاب هذه الافكار. بخلاف الدين الذي يقوم على الايمان النقي بوجود الله، فنحن لسنا بحاجة للايمان بان الذكاء والتقنية موجودة.
للتعامل مع حجة باساللا، لقد ازف الوقت لدعاة (البحث عن الحياة الذكية) لتقليل توقعاتهم وحتى الاعتراف انهم يطاردون (وزة برية). اود ان اشير الى توازٍ مع البحث عن الكواكب خارج المجموعة الشمسية، تلك العوالم التي تدور حول نجوم اخرى. فحتى وقت قريب لم نكن نملك دليلا على وجود كواكب خارج مجموعتنا الشمسية، فقد كانت تلك مجرد نظرية تشبه نظرية وجود حياة ذكية خارج الارض. في ثلاثينيات القرن الماضي نـُحي جانبا البحث العملي الرائد الذي قام به الفلكي الامريكي-الهولندي (بيتر فان در كامب). فعلى الرغم من انه جمع بيانات بدت وكأنها تقترح ان هناك عوالم تدور حول نجم برناردزBarnard's Star ونجوم قريبة اخرى، الا انه ثبت ان هذه الادلة كانت بلا اساس (بعضها كان بسبب تذبذب ضئيل في المنظار الذي كان يستعمله). فقط في التسعينيات، بعد مرور ستين عاما على بدء بحوث (فان در كامب)، وجد العلماء دليلا قاطعا على وجود كواكب اخرى هناك. خلال العقد الماضي او نحوه تم اكتشاف اكثر من 180 كوكباً خارج المجموعة الشمسية.
اذا كان لنا ان نتبع خط باساللا في التعليل، فان البحث عن الكواكب خارج المجموعة الشمسية يمكن ايضا اعتباره نوعا من الدين. الم يكن الاحرى بنا الاستسلام بعد اربعة عقود من البحث؟ ان هذه المدة الزمنية كافية بالتأكيد لايجاد شيء ما اذا كان موجودا فعلا. اليس الاستمرار في تلك البحوث بعد ذلك اشارة الى ان الايمان في غير محله واغراق في التفاؤل؟ لحسن الحظ البحث استمر فعلا ونحن الان نحصد الجوائز: كواكب جديدة تملأ الجيب.
من الناحية التاريخية، اتخذ التساؤل في ما اذا كانت الكواكب خارج المجموعة الشمسية موجودة، واذا كانت كذلك ما مدى شيوعها وما هو شكلها، اتخذ منحى موازيا بشكل يثير الاهتمام للقضية المركزية في (البحث عن الحياة الذكية). لقد كانت هناك نظريتان حول اصل الكواكب في المجموعة الشمسية. الاولى تسمى فرضية الكارثة catastrophic hypothesis. وهي تقترح ان الكواكب تشكلت، نتيجة اصطدام قريب بين الشمس ونجم آخر، من سديم غازي انفصل عن الشمس بواسطة النجمة الدخيلة. اذا كان ذلك هو ما حصل، فان النظام الكوكبي يتوقع ان يكون نادرا جدا لان مثل هذه التصادمات بين النجوم لا تحدث مطلقا. النظرية المنافسة حول تشكيل الكواكب هي فرضية الغمامة nebular hypothesis تحتج بان كواكب المجموعة الشمسية تكتلت من سحابة من الغاز والغبار هي بقايا حقبة تشكيل الشمس. تقترح نظرية الغمامة ان ولادة الكواكب قد يكون عملا روتينيا خلال الكون. بالطبع، هذه النظرية في صيغتها المحدثة هي التي يعتقد بها الفلكيون اليوم، والتي أكدها بشكل جيد اكتشاف عدد غفير من الكواكب الاخرى.
مناظرة التوازي مستمرة في (البحث عن الحياة الذكية)، وفي علم الحياة الفلكي، في مدى توافر الحياة الاولية كالبكتريا والتي تنذر بوجود حياة معقدة، متعددة الخلايا، وفي الحد الاقصى حياة ذكية متطورة. القائلون بنظرية "الارض النادرة" يعتقدون ان ذلك نادر جدا جدا. آخرون، وانا من بينهم، يعتقدون ان الذكاء يقدم ميزات نجاة كبيرة، والتي سوف تـُستغل كلما اتيحت لها فرصة منطقية. ان (البحث عن الحياة الذكية) هو الخطوة الاولى لحل هذه القضية. ولكن لايزال امامه طريق طويل ليجتازه. التنبؤ بمدى التطور الذي وصل اليه الذكاء هو عمل ينطوي على الخطورة. ليس لدينا الكثير لنسير عليه. ما نعرفه انه حالما تحِلّ التقنية العالية فان التطور يكون سريعا بشكل هائل، وغير متوقع تقريبا. هل لدى اي احد فكرة عن التطور الذي سيصل اليه الانترنت او الهندسة الجينية خلال السنوات العشر او العشرين او الخمسين القادمة؟ فكيف بالمليون سنة القادمة؟
يعرف الباحثون عن الحياة الذكية محدداتهم. فهم محددون في الوقت الحاضر بالبحث عن الاشارات الراديوية والبصرية، وهي –بالنسبة لنا– افضل الوسائل واسرعها في تلقي الرسائل عبر المسافات النجمية. من يعلم ماذا يستعمل شيوخنا وكبراؤنا في المجرات، اذا كانوا موجودين، كوسائل للاتصال؟ ليست لدينا اية فكرة ماذا يوجد هناك او اية اشكال غريبة للذكاء يمكن ان تتخذ. نحن اشبه بكولمبس وهو يبحر في مياه غير مستكشفة. نحن لا نعلم ماذا سنجد. ولكن المهمة هي غير اعتيادية ومشوقة وتستحق العناء، وهي حقيقية لمنهجية وروح العلم.