Tuesday, May 30, 2006

قمر الأرض الأفضل في المجموعة الشمسية

space.com
بقلم: سيث شوستاك
ترجمة: علاء غزالة

لقد قمت باجراء الحسابات. ان ما كان مشكوكا بصحته دائما هو صحيح: افضل مكان في النظام الشمسي لمشاهدة كسوف للشمس هو الارض. القمر، تلك الكرة المنقطة ذات الصخور المغبرة والذي يدور حول الارض مرة كل 29 يوما، الذي الهب ربات الشعر لدى الشعراء وبرعم قصص المسوخ، حدث انه كان في الحجم والمسافة المناسبين ليغطي بالكاد قرص الشمس. وشكرا للآلية التي تجعله يدور على مدار الساعة بدون توقف والتي توجد الظروف المناسبة لكسوف شمس كلي. لقد شاهدتُ ستة منها، وكان احدثها في مصر يوم 19 آذار الماضي.
وطالما كان هناك ما يزيد على 150 قمرا في نظامنا الشمسي، فقد تظن ان هناك الكثير من العوالم التي ستتلقى بين الفينة والاخرى مثل هذه الظلال السماوية. ولكن على خلاف الارض، فقد فشلت الكواكب القرينة لنا في الفوز بيانصيب الكسوف.
عطارد والزهرة كان يمكن ان يكونا مكانين رائعين لمشاهدة الكسوف (اذا اهملنا جوهما القاتل) طالما ان الشمس تظهر ضخمة في السماء، بحيث تظهر واضحة في الصور المأخوذة بطريقة (وجّه والتقط). ولكن ايا منهما لا يمتلك قمرا. الكواكب الاخرى مثقلة بتوابع عديدة، والتي تظهر –عموما- اما كبيرة جدا، او صغيرة جدا. على سبيل المثال، الاقمار الاربعة التي اكتشفها غاليليو في المشتري (إيو، ويورب، وغانيميد، وكاليستو) جميعها ضخمة بما يكفي لحجب الشمس. ولكن لسوء الحظ، فان مقدار الحجب هو كبير جدا، بحيث ان اللهب الشمسي والاكليل الداخلي اللذين يكونان غاية في الروعة اثناء الكسوف على الارض، يختفيان بسرعة خلف هذه الاقمار ذوات الحجم الهائل.
لا مفر من الاعتراف بان تابع زحل المسمى جانوس بالكاد يغطي الشمس، وقد يعطي كسوفا جيدا اذا تدبرت امرك لالقاء نظرة من على سطح هذا الكوكب ذي الحلقات والمحيط الجوي السام. ولكن التابع جانوس هو اشبه بثمرة بطاطا مليئة بالبثور، وهو قطعة صخرية مستطيلة لا يزيد طولها الا قليلا عن 100 ميل (160 كم). لذا فهو يلطخ الشمس بشكل بيضوي معتم وغير منتظم، ويكون فقيرا جماليا بالمقارنة مع قمرنا ذي القرص الدائري الذي يبعث على السرور. والاسوأ من ذلك ان جانوس يدور حول زحل في اقل من 17 ساعة مما يعني ان مجمل الكسوف سوف ينتهي باقل من 10 ثوان.
كورديلا، اوليفيا، روزاليند –اسماء تبدو وكأنها اعضاء فريق هوكي ولكنها في الواقع اقمار اورانوس الصغرى- هي في الحجم الكلي والمسافة الصحيحين لحجب الشمس كما تـُرى من ذلك الكوكب الشبيه بالكرة الزرقاء. ولكنها مجرد اقمار صغيرة ومن المحتمل انها مشوهة تماما مثل جانوس. بالاضافة الى ذلك، فان الشمس كما تشاهد من اورانوس هي ليست اكثر من نجم لامع (يبلغ حجمها من 1 الى 0.5 دقيقة قوسية، او اقل من رأس قلم الرصاص على مسافة ذراع ممدودة). ولهذا فحتى لو غطتها فلن يكون الكسوف اكثر من ومضة نجمة. بالكاد يستحق هذا المشهد عناء الزيارة.
خبرة الكسوف
اعتبر نفسك محظوظا للعيش على كوكب حيث يكون الكسوف محتملا ورائعا في نفس الوقت. وانت محظوظ اكثر بوجود النفاثات والسفن العابرة للقارات التي تجعل من السهل بالنسبة لآلاف الاشخاص الارتحال الى اي مسار ضيق للكسوف. بالنسبة لاجدادنا واسلافهم، هؤلاء الذين توفوا غالبا في القرى التي ولدوا فيها، لم تكن فرص ان يشاهدوا كسوفا كاملا في كل اعمارهم اكثر من واحد الى سبعة. اما فرص مشاهدته مرتين فهي لا تتجاوز نسبة ولادة توأم من خمسة اطفال، (والتي تقدر بـ 1 الى 57 مليونا).
ولكن الحال قد تغيرت، كما هو واضح مما حدث يوم 19 آذار عندما عسكر آلاف السياح في السهل المنبسط والخالي من الاشجار شرق السلوم، وهي مدينة ساحلية تبعد أميالاً قليلة عن الحدود الليبية المصرية. وحينا تطلعت حولي في برد الصباح الباكر خلت مشهدا يبدو وكأنه أم جميع مهرجانات المستكشفين: الايطاليون انبطحوا على مبعدة عدة مئات من الاقدام الى الشمال بينما اليابانيون في حال مزرية في خيامهم. الفرنسيون نأوا بانفسهم، اما الالمان فتجمهروا في منطقتنا المكونة من التراب والصخر. لكنات غريبة وضباب ابيض هبت على الموقع، على الرغم من ان الجميع كان واثقا من ان الشمس الصاعدة توا سوف تبدد الجو الخانق قبل بداية الكسوف. البعض كان قلقا (بلا ضرورة) من ان الضباب قد تحل محله عاصفة رملية قادمة من الصحراء. وعلى مدى ساعات روّح السياح عن انفسهم بالاكل والاحاديث الصغيرة والتعديلات اللانهائية لمناظيرهم وكاميراتهم. وعلى مسافة ربع مليون ميل (400,000 كم) الى الاعلى، انسل القمر الجديد غير المرئي بهدوء الى مساره الذي يعترض الشمس.
في الالفية السابقة، كسوفات الشمس (شأنها شأن المذنبات) لم تكن متوقعة، كما انها كانت ظواهر غير مرحب بها، وقد تحملت –عموما- وزر اي طارئ سيئ حصل خلال تلك السنة. امبراطور اليابان سيوكو توفي عام 628 ميلادية، واعتبر الكسوف هو الملام عن ذلك. لويس البافاري، نجل كارلماجن، مات هو الاخر في سنة كسوف. وعلى الفور تم تقسيم امبراطورية كارلماجن الى ما اصبح يعرف بايطاليا وفرنسا والمانيا. في القرن السابع عشر، اطلق جيبيوا المذعور اسهما ذات رؤوس نارية باتجاه السماء لإعادة قدح الشمس الغائرة (مع نجاح ملحوظ).
من العجيب التفكير ان كرة من الحجر تمر امام كرة من الغاز كان يمكن لها بسهولة بالغة ان تهيج اسلافنا. ولكن منذ اوضح العلماء في عصر النهضة طبيعة الكسوفات، فان هذه الاستعراضات السماوية تحولت من كونها نذير شؤم الى فرص جيدة للبحث. لقد اكتشف الهيليوم، وهو يعد ثاني عنصر يزخر به كلٌ من الكون والمناطيد، من خلال التحليل الطيفي اثناء كسوف للشمس عام 1868. وفي عام 1919 اثبت فلكي بريطاني نظرية اينشتاين في النسبية العامة عن طريق قياس موقع النجوم بالقرب من قرص الشمس الذي صار مظلما.
ان كل ما يتطلبه رؤية الكسوف اليوم لا يعدو ان تكون على متن مكوك فضاء او محطة فضائية وان تضع عملة معدنية صغيرة على مبعدة اربعة اقدام عن عينيك بينما تنظر الى الشمس. وهكذا تحول الكسوف المرتبط بالارض الى مصدر للهواة والسياح. والكثير من مطاردي الكسوف هؤلاء هم على علم تام بما يجب رؤيته وكيف يتم تصويره. حقا، بينما تطلعت الى موقع المشاهدة قبل لحظات من حصول الكسوف الكلي فانني جزمت بان المعدات الموجودة فوق هذا الشاطئ الصحراوي لم تكن مسبوقة عددا في اي وقت مضى منذ ان تصدى مونتيغمري لرومل.
ان حجم القمر ومداره يسببان مدا بحريا ضخما في المحيطات الارضية (مساهمة الشمس في المد البحري تبلغ نصف ذلك فقط). يعتقد بعض الباحثين ان المد البحري ربما كان ضروريا في تطور الحياة. من المثير للاهتمام معرفة انه -طالما ان المد البحري يعتمد على مكعب المسافة- اذا ازحت القمر بمقدار ضعف مسافته بعيدا، فسيحتاج الى ثمانية اضعاف حجمه ليمكنه ان يسبب مدا بحريا بنفس القوة. ولكن قمرا بهذا الحجم سيكون قطره ضعف قطر قمرنا الحالي وسوف يبقى مع ذلك قادرا على كسف الشمس على اكمل وجه. ازاحة القمر بعيدا او قريبا: اذا كان المد البحري نفسه، فسوف يبقى القمر بابعاد مثالية لحجب الشمس. اذا كان المد البحري حقا يشجع الحياة، فان عوالم لديها مدا بحريا مشابها لما لدينا سوف تستمتع على الارجح بالكسوف الكلي هي الاخرى. ربما يكون مطاردو الكسوف ذرية شائعة في الكون.
وفي الثواني الاخيرة لإتمام الكسوف، زحفت ظلمة خفيفة عبر السماء من جهة الجنوب. وبسرعة خيم الظلام على الموقع بينما التقطت الكاميرات صور "الخاتم الماسي" حينما اضاء في حافة القمر الشرقية. وفجأة تحولت السماء الى سرداق بنفسجي تخترقه فجوة على شكل هالة سوداء. النوبيون، وهم يرون الكسوف أول مرة، اطلقوا صيحات تعجب متحمسة. لكن اصحاب الخبرة الاكثر في الكسوف تظاهروا بترفع اكثر: "بالاستناد الى استقامة التيارات الاكليلية، فان الماغنيتوهايدروداينمك تبدو هادئة بصورة غير معتادة، الا تعتقد ذلك يا رالف؟".
ان الكسوف الكلي هو امر مُعتبر ومُغر. اذا رأيت احدها، فسوف تتطلع لرؤية المزيد (الفرصة التالية ستكون يوم 1 آب 2008). ولكن لا تتنظر طويلا، فالقمر يبتعد عن الارض بمقدار 1 الى 0.5 انج كل عام. وبهذا المعدل يكون لدينا فقط 500 مليون سنة لمشاهدة الكسوفات. احجز مقعدك للسفر طالما كان ذلك باستطاعتك.